الحضور المصري وانتظام بلاد الشام الجديدة

اجتماع جدة بين القادة العرب والرئيس الاميركي جاء بعد سلسلة اجتماعات مكثفة كان قد عقدها من اجل اعادة بناء الثقة بين اميركا والحلفاء والاصدقاء والشركاء السياسيين والاقتصاديين والصناعيين والعسكريين، والمؤسف ان بعض الاعلام تعامل بخفة مع دقة توقيت الزيارة وموضوعاتها وتحولات ما بعدها، حيث اعلن الرئيس الاميركي قبل مغادرته بان اميركا لن تنسحب من المنطقة وربما اراد ان يكون اجتماعه في جدة اشبه باجتماع الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز على ظهر السفينة في البحر الاحمر، والذي اسس لولادة العلاقة الاميركية السعودية وبداية التموضع الاميركي السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة.

زيارة الرئيس الاميركي التاريخية الى جدة جاءت في خضم تحولات حرب اوكرانيا وتاثيرها على النظام العالمي وشروع الدول الكبرى باعادة صياغة تحالفاتها وتوازناتها من الاتحاد الاوروبي الى الصناعية السبع الى حلف الناتو وتوسعته وتحديثه، بالاضافة الى مئات المليارات التي تهدر في هذا النزاع وتاثيراته على ازمة الطاقة والغذاء، والرئيس السيسي اعطى الاجتماع الاهتمام الذي يستحقه فكان خطابه بمثابة رؤية عربية متقدمة لمستقبل الدولة الوطنية المستقرة، وكأنه اراد ان يتحدث عن ضرورة ارساء قواعد الانتظام بعد سنوات طويلة مع استراتيجية الفوضى الفتاكة نتيجة المغامرات الاميركية الفاشلة باحتلال العراق والانسحاب من العراق.

غادر الرئيس الاميركي بايدن جدة بالتزامن مع انعقاد القمة الايرانية الروسية التركية في طهران، وتجديد الحديث عن سوريا التي حضر وزير خارجيتها الى طهران في اليوم التالي وبالتزامن مع الحراك الاستثنائي في الشارع العراقي الرافض لنظام التسويات السلطوية التي ابتكرتها اميركا لتغطية مغادرتها العراق بناء على توصيات لجنة بيكر وهاملتون من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والتي اعتبرت بان احتلال العراق كان خطأ والبقاء في العراق كارثة واوصى بضرورة الانسحاب من العراق الذي تم في 30/12/2010.

تجاوزت اميركا نتائج الانتخابات النيابية العراقية التي فاز بها اياد علاوي وحلفاؤه وذهبت الى اتفاق اربيل بالتفاهم مع ايران وبتكليف المالكي برئاسة الحكومة، و تزامن الانسحاب الاميركي من العراق في 30/12/2010 مع انطلاقة الربيع العربي، الذي استطاع الرئيس السيسي ورفاقه في الجيش حماية مصر من الوقوع في متاهات الفوضى الاميركية المدمرة والتي لا تزال تسيطر على معظم الواقع العربي، وجاء خطاب الرئيس السيسي في جدة بمثابة دفتر شروط عربية حول ضرورة عودة الانتظام الى مجتمعات بلاد الشام الجديدة مع اعلان عودة اميركا الى المنطقة.

الاهتمام المصري المميز بالعراق والهادف الى تعزيز الحوار الوطني بين المكونات العراقية حول الخروج من مفاعيل اتفاق اربيل وتجديد اسس الوحدة الوطنية وتقديم العراق كنموذج للمصالحة المجتمعية في دول بلاد الشام الجديدة، وجاءت احداث غزة الدامية لتؤكد على ما جاء في كلمة امير قطر في اجتماع جدة لجهة تجاوزات اسرائيل لكل القواعد والقرارات الاعراف بحق الشعب الفلسطيني وخلال احداث غزة برز ايضا الدور المصري الاستثنائي في استيعاب التداعيات ومنع الانزلاق الى حرب مدمرة مع ضمانات دولية غير مسبوقة لجهة التعهد بمعالجة موضوعات الخلاف .

الحضور المصري الفاعل في غزة وبغداد اعاد بعض التوازن للشرعية العربية المفقودة في موازاة الحضور الاقليمي النافذ والمؤثر ومع الفهم المصري العميق لاعباء تراكمات النزاع العربي الاسرائيلي الطويل ومخاطره الدائمة والداهمة مع عودة احتمالات الحروب الاستباقية المستجدة والمرتقبة على بيروت ودمشق وتاثيرها السلبي على تماسك النسيج المجتمعي الطبيعي والانسيابي للمكونات الوطنية، مما يعزز اهمية الحضور المصري المترفع عن السياسات الاستعراضية والارتجالية الذي قد يساهم في عودة الحياة الى انتظام بلاد الشام الجديدة

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم.

%d مدونون معجبون بهذه: